الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
أخرج الترمذي عن أبي واقد الليثي أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم لما خرج إلى غزوة حنين امرّ بشجرة للمشركين كانوا يعلقون عليها أسلحتهم يقال لها ذات أنواط فقالوا أي طائفة ممن معه اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال صلّى اللّه عليه وسلم سبحان اللّه هذا كما قال قوم موسى {اجْعَلْ لَنا إِلهًا كَما لَهُمْ آلِهَةٌ} والذي نفسي بيده لتركين سنن من قبلكم، الحديث.ثم شرع يعدد عليهم نعمه فقال: {وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ} يولونكم ويكلفونكم ويبغونكم {سُوءَ الْعَذابِ} أشده وأقساه ثم بينه بقوله: {يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ} العذاب المهين محنة فظيعة {بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ 141} لا أعظم منه في الدنيا فهو غاية الذل ونهاية الخزي والعار، فالرب الذي أنجاكم من وأهلك عدوكم وملككم أرضه وماله، أليق بكم أن تشتغلوا بعبادته طلبا لرضاه وشكرا لما أولاكم وأجدر أن لا تشركوا معه شيئا أبدا، لا أن تقولوا اجعل لنا إلها من أحجار وأخشاب ومعادن جامدة أو من حيوان عاجز، انتهوا عن هذا واستغفروا لئلا يحل بكم غضبه، قال تعالى: {وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً} للتشرف بمناجاتنا وهو شهر ذي القعدة {وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ} من ذي الحجة {فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} مع يوم العيد الذي هو يوم الوعد، وذلك أنه عليه السلام بعد أن نجى اللّه قومه وعبر بهم البحر وزجرهم على ما وقع منهم، وكان وعد قومه بأنه إذا أهلك اللّه عدوهم يأتيهم بكتاب من عند ربه فيه ما يأتون وما يذرون.ولما تمّ له ذلك طالبه قومه به، فسأل ربه انجاز وعده، فأمره أن يصوم ذا القعدة ثلاثين يوما فصامها، وأنكر خلوف فمه، فأوحى اللّه إليه أما علمت أن خلوف فم الصائم عندي أطيب من ريح المسك، ثم أمره أن يصوم عشرة أيام من أول ذي الحجة ويحضر لمناجاته وإنزال الكتاب عليه، فصامها وتوجه إلى المحل الذي أمره أن يحضر فيه {وَقالَ لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي} مدة ذهابي لمناجاة ربي {وَأَصْلِحْ} أمورهم واحسن خلافتي فيك وفيهم وراقبهم في حركاتهم وسكناتهم {وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ 142} منهم، وقد أعطى هذه الأوامر أخاه وهو يعلم أنه يصلح ولا يسلك سبيل من أفسد منهم ولكنه من قبيل التوكيد لشدة حرصه عليهم، ولعلمه بصغر عقولهم، ولأنهم قوم ترّبوا على الذل والصغار لا يأمن أن يستميلهم الأشرار، وتوصية لهرون الذي لا يتصور منه وقوع ما أوصاه به، وحذره عنه، على حد قول سيدنا إبراهيم {لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} الآية 260 من البقرة في ج 3، وعلى حد قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا} الآية 134 من سورة النساء، أي اثبتوا على إيمانكم وداوموا عليه، فكأنه يقول لأخيه دم على أخلاقك وإصلاحك شأنهم كما كنت أنا وأنت دائبين عليه، وكأنه عليه السلام نفث في روعه أنهم سيزيغون عن عبادة اللّه بما يسوله لهم شرارهم فأوصى أخاه بما أوصاه لأن الأنبياء ملهمون، وسبب وصيته هذه أن الرئاسة كانت لموسى دون هرون، وقال الشيخ محي الدين العربي الأكبر في فتوحاته ما معناه إن هارون نبي أصالة ورسول بحكم التبعية فلعل هذا الاستخلاف من آثار تلك التبعية، وقيل إن هذا كان كما يقوله أحد المأمورين بمصلحة واحدة إذا أراد الذهاب لحاجة كن عوضا عني، أي ابذل جهدك ووسعك بحيث يكون عملك عمل اثنين، وهو وصية لأن هارون مثل موسى مرسل لبني إسرائيل أيضا.
.مطلب ميقات موسى وتكليمه: قال تعالى: {وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا} الذي عينّاه له في طور سيناء {وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} من غير واسطة ولا كيفية.وقد ذهب الحنابلة ومن تابعهم إلى أن كلام اللّه تعالى حروف وأصوات متقطعة وأنه قديم، وذهب المتكلمون إلى أنه صفة مغايرة لهذه الحروف والأصوات وهي صفة أزلية قديمة، وعليه فإن القائلين بهذا القول قالوا إن موسى سمع تلك الصفة القديمة الأزلية حقيقة وقالوا:فكما أنه لا تبعد رؤية ذاته وليست جسما ولا عرضا، فكذلك لا يبعد سماع كلامه مع أنه ليس بصوت ولا حرف، ومع هذا فإنه لا يشبه كلام المخلوقين ولا محذور من ذلك، أما من قال إن تكليمه تعالى عبارة عن خلق الكلام منطوقا به في بعض الأجرام كما خلقه محفوظا في الألواح، وهو ما ذهب إليه الزمخشري ومن على طريقته من المعتزلة فهو قول باطل، لانه يقضي بأن تقول الشجرة التي كلمه منها أو الجرم الذي كلمه عليه إنني أنا اللّه، وإن هذه الشجرة أو ذلك الجرم لا يقول ذلك فظهر فساد مذهبهم في هذا.وإن مذهب أهل السنة والجماعة الذي عليه جمهور العلماء وبعض من المتكلمين سلفا وخلفا، هو أن اللّه تعالى متكلم بكلام قديم وسكتوا عن الخوض في تأويله، والحقيقة أن اللّه تعالى كلم موسى بلا واسطة ولا كيفية، وأسمعه كلامه ومناجاته، فاستحلى ما سمع وطمع في رؤيته لغلبة شوقه إليه {قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} سأل عليه السلام ربه أن يريه ذاته المقدسة مع علمه بأن اللّه لا يرى في الدنيا بسائق ما هاج به من الغرام في لذة المناجاة وما فاض عليه من الجلال حتى استغرق في بحر محبّته، فسأل الرؤية، ولعل هذه أيضا من جملة ما ألهم بأنه سيأتي نبي بعده يرى ربه بأم عينه فطمع بذلك وطلبها، أو أنه طلب التمكن من الرؤية مطلقا بالتجلي والظهور وهما مقدمان على النظر ومسببان له، ففي الكلام ذكر الملزوم وإرادة اللازم فيكون المعنى: مكني من رؤيتك أو تجلّ علي فأنظر إليك وأراك، ولم يرد إيجاد الرؤية لعلمه باستحالتها في الدنيا فأجابه ربه بالمنع {قالَ لَنْ تَرانِي} وأنت على ما أنت عليه لأن البشر لا يطيق النظر إليّ في هذه الدار، وفي هذا دليل لأهل السنة والجماعة على جواز الرؤية في الآخرة، لأن موسى اعتقد أن اللّه يرى، فسأل الرؤية لأنها جائزة واعتقاد جواز ما لا يجوز على اللّه كفر، ولأنه تعالى لم يقل لن أرى ليكون نفيا للجواز ولو لم يكن مرئيا لأخبر بأنه ليس بمرئي إذ الحالة حالة الحاجة إلى البيان، قال تعالى: {وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ} طور سيناء الذي هو قريب منه واسمه زبيد {فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ} بعد أن تجلى عليه وبقي كما هو عليه الآن {فَسَوْفَ تَرانِي} إذا تجليت عليك أيضا، وهذا دليل أيضا على جواز الرؤية لأنه علقها باستقرار الجبل وهو ممكن وتعليق الشيء بالممكن دليل على إمكانه كالتعليق بالممتنع دليل على امتناعه، والدليل على أن استقرار الجبل ممكن قوله: {جَعَلَهُ دَكًّا} ولم يقل اندك، وما أوجده اللّه تعالى كان جائزا أن لا يوجد لو لم يوجده، لأنه مختار في فعله، ولأنه تعالى ما آيسه من الرؤية ولا عاتبه على طلبها كما عاتب نوحا بقوله: {أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ} الآية 46 من سورة هود في ج 2، ولا يقال أن محمدا من البشر وكيف رأى ربه وقوي على رؤيته، لأن اللّه تعالى أودع فيه قوة على ذلك مكنته من الرؤية لأنها من خصوصياته صلّى اللّه عليه وسلم كما خص موسى بالتكليم وقواه على سماع كلامه مشافهة دون غيره، فلا مناقشة في هذا وما عموم إلا خصص.هذا، ومن قال انّ لن للتأييد والدوام واستدل على عدم جواز الرؤية حتى في الآخرة فقد أخطأ إذ لا شاهد له بالعربية على قوله، ولا دليل له في الكتاب والسنة وأن الدلائل لإثبات الرؤية في الآخرة صريحة في قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ} الآية 24 من سورة القيامة المارة، وجاء في الصحيحين أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة، ومما ينقض قوله أنّ لن للنفي ألا يرى قوله تعالى في نعت اليهود: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا} الآية 95 من البقرة في ج 3، مع أنهم يتمنونه يوم القيامة في قوله تعالى: {وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ} الآية 77 من الزخرف في ج 2، وقوله: {يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ} الآية 17 من سورة الحاقة في ج 2، وقوله في الآية 25 من سورة مريم الآتية {يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا} فظهر لك من هذا كله أنّ لن ليست للتأييد، قال تعالى: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} أي ظهر له على الوجه اللائق بجنابه بعد أن جعله مدركا، لذلك قال الشيخ أبو منصور نقلا عن الأشعري، أنه تعالى خلق في الجبل حياة وعلما ورؤية حتى رأى ربه، فلما رآه جلت رؤيته {جَعَلَهُ دَكًّا} مفتوتا ساوى به الأرض بحيث لم يبق له أثر، والدّكّ والدق أخوان وكذلك الشك والشق، وهذا نص بكونه مرئيا ثابت لا مرية فيه، ونص بجهل منكر الرؤية كما مرت الإشارة إليه، ولا يستغرب هذا، لأنه داخل في قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} الآية 44 من سورة الإسراء الآتية، فظاهر هذه الآية يستلزم كون جميع الأشياء حية مدركة بحياة وإدراك لا يقين بها، وكل بنسبة عالمه، وإذا دققت النظر في مغزى اسمه القادر هان عليك ما لا يقبله عقلك أو تنصوره مخيّلنك، اللهم بصرنا وأرشدنا إلى ما به النجاة من الحيرة.هذا، والاحتجاج بجمادية الجبل لا قيمة له، لأن اللّه تعالى قال في الآية 9 من سورة سباء في ج 2 {يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ} فالذي أقدر الجبال على التسبيح مع داود عليه السلام أقدر هذا الجبل على الفهم والتعقل وخلق فيه رؤية متعلقة بذات اللّه تعالى، وكونه مخاطبا بهذا الخطاب مشروط بحلول الحياة له والعقل فيه فهكذا هنا، فلم يبق مجال للقول بإنكار الرؤية وجوازها بعد أن بان لك تبعتها بالدلائل العقلية والسمعية، وعلمت بأن ما جاء به منكر الرؤية مصدره التأويل والتفسير راجع تفسير الآية 102 من سورة الأنعام في ج 2، قال ابن عباس: ظهر نور الربوبية للجبل فصار ترابا {وَخَرَّ مُوسى صَعِقًا} صائحا مغشيا عليه ساقطا على الأرض من هيبة الربوبية وعظمتها التي لا تكيف {فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ} تعاليت وتنزهت عن المثالية والمشابهة لخلقك وعن أن يثبت أحد لمشاهدتك {تُبْتُ إِلَيْكَ} عن سؤال الرؤية في الدنيا ومن أن أسألك شيئا بغير إذنك {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ 143} بأن البشر لا يطيق رؤيتك في الدنيا إلا من قربته منك وقويته بمعونتك وأيدته بتأييدك وخصصته بها دون سائر خلقك، وكان رمز إليه بأنه سيظهر نبي بعدك يرى ربه {قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ}اخترتك وميزتك {عَلَى النَّاسِ} الموجودين على الأرض في زمنك {بِرِسالاتِي} التي أرسلتك بها لتبلغها لعبادي وهي الصحف التي أنزلتها إليك قبل أسفار التوراة التي أنزلها عليك الآن {وَبِكَلامِي} لك دون واسطة {فَخُذْ ما آتَيْتُكَ} من هذه الفضائل التي خصصتك بها وحدك ولم تكن لأحد قبلك فاقبلها واعمل بها {وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ 144} نعمائي من تشريفك بالرسالة وتتويجك بالتكليم، ولا يضق صدرك من منعي لك الرؤية لأنها لم تقدر لك في أزلي، فرضي موسى، وشكر ربه، قال تعالى: {وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ} المسطور عليها التوراة {مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ} يحتاج إليه هو وقومه من أمر ونهي وحلال وحرام وحدود وأحكام {فَخُذْها بِقُوَّةٍ} بجد وعزم وحزم {وَأْمُرْ قَوْمَكَ} يا رسولي {يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها} عند وقوع شيء له جهتان، كالعفو فإنه أحسن من القصاص، والصبر فإنه خير من الانتقام والضجر، والكظم فهو أولى من الانتصار، والصلة فهي أحسن من القطيعة، وهذه موافقة لشريعتنا قال تعالى: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} الآية 55 من سورة الزمر في ج 2، والقرآن كله حسن وإنما الفرق بين الحسن والأحسن كثرة الثواب، ويستدل من هذه الآية أن التكليف كان على موسى أشد منه على قومه إذ لم يرخص له ما رخص لهم من الأخذ بالأحسن بل خصصه بالحزم، وهو من أولي العزم إذ يقول له {فَخُذْها بِقُوَّةٍ} وكذلك كلف صلّى اللّه عليه وسلم بأكثر مما كلفت أمته فكلف بقيام الليل على سبيل الفرض ومنع من تطليق نسائه ومن الزواج عليهنّ، إلى غير ذلك..مطلب أعمال الكفرة ورؤية موسى ربه: هذا، وقد أمره ربه في مناجاته هذه بعد أن أقر عينه بالاصطفاء أن يمرّن قومه على الأخلاق الفاضلة لعلمه بما يصدر عنهم بخلافها لتكون عليهم الحجة ولهذا نبههم بقوله: {سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ 145} الخارجين عن الطاعة الذين يؤثرون الأخلاق السافلة على العالية، فليعتبر قومك يا محمد بالأمم الماضية كيف دمرناها لما أصروا على الكفر، وعليهم أن يتعظوا قبل أن يحل بقومك ما حل بهم من الوبال والتنكيل وليعلموا أني {سَأَصْرِفُ عَنْ} فهم ومعرفة معنى {آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ} على خلقي {بِغَيْرِ الْحَقِّ} حسبما تسوّل لهم أنفسهم فيظلمون ويبغون على الناس بمقتضى دينهم الباطل الذي اختلقوه وتلقوه من آبائهم الضالين {وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ} من آياتي التي أظهرتها لهم على أيدي رسلهم {لا يُؤْمِنُوا بِها} ولا يزيدهم نزولها وتبليغها لهم من قبل رسلهم إلا إنكارا وإصرارا على الكفر {وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا} بل يعرضون عنه {وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا} عنادا وعتوا لا جهلا لأن كل من عنده لمحة من إدراك يميز بين الرشد والغي، كما يميز بين الظلمة والنور فيعرف الأول نافعا والثاني ضارا ولكنهم لا يريدون إلا الانكباب على عوائدهم الشائنة {ذلِكَ} اختيارهم طريق الشر على طريق الخير، وإيثارهم الكفر على الإيمان {بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا} الواضحة الدالة على حسن ما أمرناهم به بواسطة رسلنا {وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ 146} غير مفكرين بها ولا ملقين لها بالا، لاهين عن الاتعاظ بها معرضين عنها {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ} فجمعوا بين التكذيب والجحود أمثال من تقدمهم من الأمم المهلكين، المصرفين عن فهم حقائق آياتنا والتصديق بالبعث والحشر {حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ} التي عملوها بالدنيا من برّ وصلة وقرى ضيف وفك أسير وإغاثة ملهوف وإقالة عثرة ومطلق إحسان، مما يثاب عليه المؤمن في الآخرة من عوائدهم الحسنة التي كانوا يفعلونها بطلت ومحق ثوابها، لأنهم لم يفعلوها لوجه اللّه في الدنيا ولذلك لم ينتفعوا فيها بالآخرة، وقد حرموا من ثوابها بسبب تكذيبهم وكفرهم، ولأنا قد كافأناهم عليها في الدنيا بكثرة الأموال والأولاد والصحة والأمن والجاه لأنا لا نضيع أجر من أحسن عمله، فإن كان مؤمنا أثبناه عليه في الدنيا والآخرة، وإن كان كافرا كافيناه عليه في الدنيا فقط وما له في الآخرة من نصيب، فانظروا {هَلْ يُجْزَوْنَ} هؤلاء وأضرابهم يوم القيامة {إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ 147} بدنياهم فيجازون عليه إن خيرا فخير، وان شرا فشر، إلا أن الكافر يعجل له ثواب عمله الصالح في الدنيا ليلقى اللّه ولا حسنة له راجع تفسير الآية 20 من سورة الأحقاف في ج 2، والمؤمن يدخر له هذا.
|